تسويق

المسؤولية الاجتماعية والتسويق.. شراكة لمستقبل أفضل

يرسخ مفهوم المسؤولية الاجتماعية والتسويق فكرة ضرورة أن تتحلى الشركات بصفات المواطن الصالح من خلال تحقيق التوازن بين عمليات جني الأرباح والأنشطة التي تفيد المجتمع، سواء على المستوى المحلي أو الوطني أو العالمي.

ويؤدي التسويق المسؤول دورًا هامًا في جذب المستهلكين الذين يحرصون على إحداث تأثير إيجابي من خلال مشترياتهم. وقد تبنت العديد من الشركات مبادئ المسؤولية الاجتماعية في استراتيجياتها التسويقية، بهدف خدمة المجتمع من خلال تقديم منتجات وخدمات مفيدة.

وتشير الدراسات الأوروبية الحديثة إلى أن الممارسات الخيرية تعد أداة أعمال فعالة أيضًا.

ووفقًا لعرض تقديمي بعنوان “قوة الاستراتيجية القائمة على القيم” صادر عن شركة Forrester Research، وهي شركة أبحاث السوق تقدم المشورة للشركات، فإن حوالي 52 % من المستهلكين الأمريكيين يأخذون القيم في الاعتبار عند اتخاذ قرارات الشراء الخاصة بهم؛ إذ يبحثون عن العلامات التجارية التي تروج بشكل استباقي للمعتقدات والقيم التي تتوافق مع قيمهم الخاصة.

المسؤولية الاجتماعية والتسويق

يناط بالتسويق الاجتماعي مسؤولية جليلة تتخطى حدود الربح التجاري؛ لتصبح رسالة سامية تحمل راية الأخلاق وتساند قضايا المجتمع.

وفي عالم ينادي بالمسؤولية ويعلي قيم التضامن، تصبح الشركات بوصلة للتغيير الإيجابي، مستخدمة بيانات عملائها ليس لفهم سلوكياتهم فحسب، بل لمعرفة نبض مشاعرهم وقيمهم ومعتقداتهم.

وبناءً على أولويات جمهورها، تبحر الشركات في بحر من الحملات التي تلامس القضايا الإنسانية وتعالج التحديات الاجتماعية، فمن رعاية الطفولة ودعم أنشطتها، إلى التوعية الصحية ومكافحة الأمراض، وصولًا إلى حماية البيئة وتعزيز الاستدامة. وتصبح الشركات خير سفير لقضايا نبيلة تلامس احتياجات المجتمع.

ولا يقف عطاء الشركات عند هذا الحد، بل يتسع ليشمل:

– دعم الأقليات.

– تعزيز التنوع والشمول.

– تقديم الدعم الغذائي للمحتاجين.

– مساندة برامج الإسكان المجتمعي.

وفي كل حملة تسويقية أخلاقية، ترسل الشركات رسالة قوية مفادها أن الربح ليس غاية في حد ذاته، بل وسيلة لتحقيق الخير ودعم قضايا إنسانية تساهم في بناء مجتمع أكثر عدلًا وازدهارًا.

تأثيرات المسؤولية الاجتماعية والتسويق

يُؤثر تطبيق المسؤولية الاجتماعية والتسويق على الشركات بشكلٍ كبير، بدءًا من الصورة العامة ووصولًا إلى الآثارِ المالية. كما تشمل فوائد هذا النوع من التسويق:

– تحسين الصورة العامة للشركة.

– توفير فرص للإعلان الترويجي المشترك.

– خلق ثقافة إيجابية في بيئة العمل.

ولكنه لا يخلو من بعض التحديات، مثل:

– التكاليف الفورية لتطبيق استراتيجيته.

– خطر إبعاد شريحة محددة من السوق بسبب دعم قضايا معينة.

وتختلف نتائج التسويق الاجتماعي اعتمادًا على الشركة والحملة وعوامل أخرى يصعب التنبؤ بها مثل: الأحداث الجارية والظروف الاقتصادية.

ويعد التسويق الاجتماعي المسؤول استثمارًا طويل الأجل يؤثر على الشركات بطرق متعددة، تشمل:

العلامة التجارية

يضفي التسويق الاجتماعي المسؤول على علامة الشركة بريقًا أخلاقيًّا، ويجسد قيمها ومبادئها من خلال دعم قضية اجتماعية مختارة، فكأنها ترسل رسالة إلى عملائها تخاطب بها عقولهم وقلوبهم. كما تشير إلى ما تؤمن به وما تقدمه للعالم، إنها لوحة ترسم عليها الشركة صورتها الأخلاقية. وتعبر أيضًا عن التزامها بما هو أبعد من جني الأرباحِ

القدرة التنافسية

في زمن يميل فيه المستهلك إلى التعامل مع الشركات الأخلاقية، تصبح المسؤولية الاجتماعية سلاحًا ذا حدين يعزز من قدرة الشركة التنافسية. وكأنها ترسل رسالة إلى منافسيها تعلن فيها عن تميزها والتزامها بمبادئ أخلاقية تلامس احتياجات المجتمع.

إثبات الالتزام

لا تبنى الثقة بين الشركة وعملائها إلا على أرض صلبة من الالتزام؛ فالتسويق الاجتماعي المسؤول يمثل أداة فعالة لبناء هذه الثقة. وذلك من خلال إثبات قدرة الشركة على ترجمة أقوالها إلى أفعال ملموسة.

الروح المعنوية

لا تؤثر المسؤولية الاجتماعية والتسويق على الشركة فحسب، بل تؤثر على موظفيها أيضًا، فشعور الموظفين بالفخر لكونهم جزءًا من شركة تساهم في إحداث تغيير إيجابي يعزز من روحهم المعنوية ويحسن من ثقافة العمل.

ولاء العملاء

يصبح العملاء مؤيدين أوفياء للشركة التي تشاركهم قضاياهم وتساهم في حلها بشكلٍ صحيح ومضمون؛ فالشعور بالانتماء إلى قضية مشتركة يخلق رابطًا عاطفيًّا عميقًا بين الشركة وعملائها.

بناء سمعة

عندما تدمج الشركة التسويق الاجتماعي في استراتيجيتها، فإنها تصبح تحت مجهر الرأي العام، فارتباطها بقضية اجتماعية محددة يعرضها للمساءلة والتقييم.

وعلى سبيل المثال، إذا دعمت شركة علنًا قضية ذات آراء متباينة، فقد يؤدي ذلك إلى إبعاد عملاء محتملين وبناء سمعة دائمة.

خفض التكاليف

لا تقتصر فوائد المسؤولية الاجتماعية على الجانب الأخلاقي فحسب، بل تمتد لتشمل خفض التكاليف التشغيلية أيضًا. ومن خلال تبني ممارسات صديقة للبيئة، على سبيل المثال، يمكن للشركةِ خفض فواتير الطاقة والنقل.

جذب المستثمرين

عادة ما يفضل المستثمرون دعم الشركات التي تشارك في قضايا ذات مسؤولية اجتماعية؛ إذ يضع هذا الشركة في موقف أفضل للحصول على الخدمات المالية، مثل: القروض أو الاستثمارات. كما يظهر موازنة الاستثمارات في المسؤولية الاجتماعية مع الأرباح أن الشركة في موقع قوي في السوق، وهو ما يبحث عنه المستثمرون.

تحقيق المسؤولية الاجتماعية والتسويق
بديهيًا، يحتاج أي عمل تجاري إلى التسويق لتحقيق النجاح، وبالتأكيد يساعد استخدام حملات التسويق المسؤولة اجتماعيًا في ترسيخ صورة الشركة على أنها أخلاقية وذات حس بالمسؤولية.

ولتضمين الوعي الاجتماعي في التسويق، يمكن للشركة اتباع هذه الخطوات:

معالجة المشكلات الداخلية

يجب على الشركات إجراء مراجعة شاملة لعملياتها من منظور الوعي الاجتماعي، وتحديد أي مجالات تتطلب تحسينًا. وعلى سبيل المثال، قد تعيد النظر في مصادرها للتأكد من عدم التعامل مع شركات تُمارس سلوكيات غير أخلاقية.

أبحاث السوق

من المهم للعلامات التجارية إجراء أبحاث لفهم المواضيع الاجتماعية التي يهتم بها عملاؤها. وذلك من خلال:

– استطلاعات الرأي.

– تحليلات مواقع التواصل الاجتماعي.

– تقييمات العملاء.

– البيانات التاريخية،

وتذكر أن فهم أولويات السوق المستهدفة وعادات التسوق والقيم يساعد في تحديد المجالات التي يمكن أن يكون لها أكبر تأثير اجتماعي.

تحديد الأهداف

يجب على الشركات تحديد أهداف قصيرة وطويلة الأجل لحملات التسويق المسؤول. هذا مع التركيز على القضايا التي تتوافق مع هوية الشركة واهتمامات عملائها.

كما يمكن أن يشتمل مشروع قصير الأجل على حدث خيري يجمع التبرعات لقضية محلية أو تقديم تبرع علني لمنظمة غير ربحية.

ويتيح ذلك للشركات قياس نجاح نهج التسويق هذا فيما يتعلق بزيادة التفاعل الاجتماعي عبر الإنترنت أو ارتفاع المبيعات.

تخصيص الميزانية

تشكل ميزانية الشركة المتاحة عنصرًا هامًا يحدد هيكل ومدة الحملة التسويقية، فمسؤولية التسويق الاجتماعي تمثل اهتمامًا طويل الأجل يتضمن تكاليف فورية؛ ولذلك يجب على الشركة أن تحدد بدقة ما يمكنها تحمله بشكل معقول لتكريسه لهذه الحملة.

ولا شك أن ميزانية الحملة الاجتماعية تعد بمثابة عنصرًا هامًا في خطط الشركة. وتشمل هذه المرحلة تحديد الموارد المالية المُتاحة للحملة وتوزيعها على مختلف مراحلها، بدءًا من اختبار النهج الاجتماعي وصولًا إلى تنفيذ الحملة وتقييم نتائجها.

تنفيذ الاستراتيجية

في الأساس، تعتمد حملات التسويق الاجتماعي الفعالة على نهج مخطط بعناية، يبدأ باختبار نهج محدد من خلال استراتيجيات قصيرة الأجل، مثل: جمع التبرعات.

ويتيح هذا الاختبار للشركة تقييم فعالية النهج وفهم كيفية تفاعل الجمهور المستهدف مع الحملة.

وبناءً على نتائج الاختبار، يمكن للشركة تحديد كيفية المضي قدمًا في حملة طويلة الأجل. كما تشمل هذه المرحلة تطوير استراتيجية تسويقية شاملة تحدد أهداف الحملة، والجمهور المستهدف، ورسائل الحملة، وقنوات التسويق.

المتابعة والتعديل

ومع مرور الوقت، تتغير اهتمامات المجتمعات وتتطور، مما يتطلب من حملات التسويق الاجتماعي التكيف لتظل فعالة. والحكمة تقتضي من المسوقين الاجتماعيين مراقبة اتجاهات السوق المستهدفة وفهم معتقداتها المتغيرة.

كما تتطلب هذه العملية متابعة تقدم الحملة عن كثب ورصد شعبية الحركة الاجتماعية التي تدعمها.

ومن خلال تحليل هذه البيانات، يمكن للمسوقين تحديد ما إذا كان استمرار النهج الحالي للحملة هو الخيار الأمثل، أم أنه من الأفضل اتباع نهج جديد.

وفي النهاية، فإن التسويق المسؤول ليس مجرد اتجاه عابر، بل ضرورة حتمية لضمان استمرار الشركات أو المؤسسات وازدهارها في عالم يتجه نحو المزيد من المسؤولية والأخلاقيات.

المصدر: رواد الأعمال

مقترحات