إعلان

التسويق الفعال .. كيف تنجح الإعلانات ومتى تفشل في تحقيق أهدافها؟

الاستراتيجية التسويقية الفعالة التي ينتهجها الأشخاص أو المؤسسات بشتى أنواعهم هي التي تحدد مدى النجاح في تحقيق الهدف من العملية التسويقية، ألا وهو الوصول إلى الفئة المستهدفة للحصول على آذان صاغية وعيون مبصرة نحو ما تحتويه الرسالة التسويقية للمنشأة.

هذه المرحلة في مجملها تأتي تحت بند الترويج، وهو أحد أربعة عناصر رئيسة من المزيج التسويقي الذي حدد معالمه جيروم ماكارثي عالم التسويق، وفيما بعد تطورت تلك العناصر لتصبح سبعة عناصر أساسية وفرعية، جميعها تبدأ بالحرف الإنجليزي P، لذا سميت عناصر المزيج التسويقي السبعة 7Ps. وهذه العناصر السبعة بدورها تتكون من عناصر فرعية، فمثلا الترويج يتكون من مزيج من ستة عناصر مختلفة أحدها الإعلان، لذلك من الممكن القول إن الإعلان هو أحد أحفاد التسويق.

القنوات الإعلانية

يمكن تقسيم الإعلانات حسب عدة معايير، فمن حيث طريقة الوصول هناك المرئي والمسموع والمقروء، ومن حيث المنابر هناك منابر تقليدية ومنابر رقمية حديثة، وفي المجمل يتم تحديد المنبر أو الطريقة التي يصنع بها الإعلان وفقا للفئة المستهدفة، وما يتضمنها من شروط كالعمر والمكان الجغرافي وطبيعة المنتج، سلعة أو خدمة، والطبقات الاجتماعية، واهتمامات المستهلكين، وغيرها من العوامل. على سبيل المثال، الإعلان على منصة “لينكد إن” المختصة بنشر الوظائف يناسب المنتجات التعليمية والتدريبية، كالإعلان عن الدورات التدريبية أو البرامج والتطبيقات المستخدمة في قطاع الأعمال، أو كذلك يكون مناسبا للشركات التي تعمل على إقامة المؤتمرات أو طباعة بطاقات التعريف. من جهة أخرى تناسب منصات مشاركة مقاطع الفيديو، مثل يوتيوب وتيك توك، المنتجات التي تحتاج إلى الإشباع البصري كالعقارات وغيرها مما يحتاج إلى عامل الجذب البصري لشد انتباه المستهلك.

الفرق بين الدعاية والإعلان

الدعاية هي كذلك أحد عناصر المزيج الترويجي، وتتشابه كثيرا مع الإعلان، سواء في استخدام منابر النشر أو في هدف التأثير في سلوك الفرد وترسيخ العادات لديه، من خلال عملية الإشهار التي تؤدي في نهاية المطاف إلى الاقتناع والتنفيذ، إلا أن الدعاية والإعلان يختلفان في بعض الجوانب، فالإعلان يؤدي إلى تحقيق رغبة ما، لذلك يتم استخدامه بشكل حالي ومكثف وربما تتغير مكوناته مستقبلا، على سبيل المثال قد يتغير سعر المنتج نفسه وبعض مكوناته بين فترتين، وربما يتم استحداث منتج آخر بشكل كلي، وقد تتغير طبيعة الإعلان عن المنتج نفسه من مكان إلى آخر، فالمظلة ذاتها يمكن الإعلان عنها في دولة مشمسة للاحتماء من الشمس وفي أخرى ممطرة للاحتماء من المطر، وفي كلتا الحالتين يولد الإعلان رغبة لدى المستهلك تدفعه إلى الشراء الحالي، بينما تؤدي الدعاية إلى تحقيق ارتباط نفسي دون البحث عن عائد حالي، فالدعاية مرتبطة بفكرة محددة واتجاه معين.

يمكن توضيح الفرق بين الإعلان والدعاية أيضا في مقطع فيديو أو نص مكتوب عن سلعة، ولتكن سيارة، ففي الإعلان يتم وصف المنتج وتحديد السعر مقابل المواصفات التي يمكن الحصول عليها والأماكن التي ممكن الشراء منها والميزات الإضافية من تقسيط وغيره، لكن في الدعاية قد نشاهد مقطعا مصورا عن سرعة السيارات لإحدى الشركات ومدى تحملها والأمان والتقنيات الحديثة التي تم استخدامها فيها، لذا يكون العائد المنتظر من الإعلان هو تحقيق مبيعات بقيمة أو حجم خلال فترة متفق عليها، بينما العائد من الدعاية هو زيادة الارتباط النفسي بالشيء: فبمجرد التفكير في شراء سيارة يكون أول الخيارات شركة بعينها تم التعرف عليها من خلال الدعاية.

من الممكن أيضا أن يأتي الإعلان لتعريف المستهلك بأن سلعة معينة أو نسخة حديثة منها أصبحت أو ستصبح متوافرة لدى الشركة، في حين إن الدعاية تستمر في إرسال الرسائل المرتبطة بالسلع بشكل خاص أو آلية عمل الشركة طوال الوقت دون الالتفات إلى سلعة بعينها، كنشر أرباحها السنوية أو حجم مبيعاتها، أو مساهمتها الاجتماعية وغيرها من الصور.

متى تنجح الإعلانات، ومتى تفشل في تحقيق أهدافها؟

هناك عديد من المعايير التي تدفع الإعلانات إلى النجاح، إلا أن أهمها على الإطلاق هو عدم نسيان الإعلان، وذلك من خلال استمرارية الانجذاب إلى المنتج أو الخدمة، ففي المتوسط تشتري العائلات الأمريكية ما يصل إلى 85 في المائة من احتياجاتها المنزلية بشكل متكرر من المنتجات نفسها، ما يشكل صعوبة كبيرة أمام أي منافس قد يظهر بمنتج جديد في السوق! لذا فلا بد من دراسة طبيعة المتلقي بشكل جيد وإنتاج ما يتوافق مع حسه العاطفي والفكاهي والفكري، ولا مانع من دمج أي من المشاهير أو المؤثرين في الإعلان للفت النظر، والأهم من ذلك أن تكون هناك قيمة مضافة فعلية تعود على المتلقي في نهاية الأمر.

المردود الفعلي على المتلقي مهم للغاية، فهناك إعلانات مؤثرة لكن بلا فائدة حقيقية للمتلقي، من ذلك حالة شركة كوكاكولا التي أنفقت 50 مليون دولار على حملة إعلانية لمنتج بنصف السعرات الحرارية للمنتج العادي، ورغم وصول الحملة الإعلانية إلى الجمهور إلا أن المنتج لم يحقق القبول المتوقع ولم يحقق العائد المرجو، وذلك يدل على أنه لا معنى لإعلان ناجح دون دراسة صائبة لاحتياجات السوق. لذا في حالات كثيرة ينجح الإعلان في الوصول إلى المتلقي، ويفشل في إحداث تأثير عملي ملموس يؤثر في إيرادات المنشأة.

بعض أشهر الإعلانات الراسخة في أذهان الناس

شبه اتفاق بين كثير من خبراء التسويق على أن أعظم حملة إعلانية كانت لشركة الملابس الرياضية “نايك” في عام 1988، حيث شارك في الحملة كثير من الرياضيين المحترفين من بينهم والت ستاك لاعب الماراثون البالغ من العمر حينها 80 عاما وهو يركض لأكثر من 27 كيلومترا في صباح كل يوم. اتخذت الحملة الإعلانية مقولة “فقط افعلها” كشعار لها، وهنا استخدمت الشركة عامل الجذب في دمجها شخصيات مشهورة أو شخصيات ناجحة في بعض جوانب حياتهم، لتحقيق شعار عاطفي يلامس وجدان كل شخص بأن يحاول وأن يبدأ، فجعلت من حملتها الإعلانية هذه حملة لا تنسى. وفي الوقت نفسه لم يكن الإعلان أجوف، بل كان لدى لشركة منتجات ذات قيمة ملموسة ومحسوسة، ما أدى إلى رفع مبيعاتها لاحقا من نحو 800 مليون دولار إلى أكثر من 9.2 مليار دولار خلال عشرة أعوام.

استخدمت أيضا شركة كوكاكولا أسلوب الجذب بطريقة أخرى في حملة “شير كوك” في أستراليا عام 2011، حين بدأت الشركة بطباعة أكثر من 150 اسما منتشرا في الدولة على عبوات منتجها، لتثير شعور الملكية والانتماء لدى المستهلكين، ما أدى إلى انجذابهم في نهاية الأمر واقتناء المنتج. وعلى هذا المنوال نلاحظ أن جميع الإعلانات والحملات التي نجحت، استطاعت أن تجذب المتلقي باستعطاف أو مشاركة أو اختلاف، وذلك هو سر نجاح الحملات الإعلانية.

الإعلان والاختلافات الثقافية بين الشعوب

يجب أن تتم عملية لفت الانتباه للحصول على عامل الجذب بعناية تامة بحيث لا تؤدي إلى نتائج عكسية بحق المتلقي، كالتنفير من المنتج حين لا يناسب الإعلان طبيعة المتلقي. على سبيل المثال تجاهل إدراج الأشكال والثقافات العرقية المختلفة في المجتمعات قد يؤدي إلى شعور بعدم الانتماء إلى الإعلان وبالتالي إلى المنتج، فوفقا لدراسة بحثية من جمعية الإعلان “كريدوس”، نحو 53 في المائة من سكان المملكة المتحدة المنتمين إلى لون مختلف أو جنسية آسيوية أو أقليات عرقية، يفضلون الشراء من علامات تجارية تمثل ثقافاتهم، لذا يتعين على المعلن أخذ الثقافات المختلفة في الحسبان، سواء في المنتج نفسه أو في الإعلان.

هذا الفهم لطبيعة الثقافات تدركه كثير من الشركات، منها مرة أخرى شركة “نايك”، التي وفقا لبحث أجرته شركة “أدوبي” تعد أكبر شركة تتضمن إعلاناتها التنوع بنسبة 34 في المائة، ففي أحد إعلاناتها أبرزت الشركة جميع الفئات المستهدفة من النساء الرياضيات والمحجبات والأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، ورغم أن هذا الإعلان رسالة بالتقبل والاتحاد إلا أنه كذلك يعطي دلالة على توافر المنتجات التي تخص أي فئة لدى الشركة، ولا سيما أن نحو 40 في المائة من المستهلكين من متعددي الثقافات، وبحسب أحد تقارير مركز مايكروسوفت للإعلان زادت الإعلانات الأكثر شمولية من حجم الشراء لدى المستهلكين بنسبة 23 في المائة.

بناء على ذلك، إن لم تستطع المؤسسات مخاطبة هذه الفئات مباشرة في إعلاناتها، فعلى الأقل عليها أن تحاول مراعاة عدة معايير في إعلاناتها، أهمها تجنب المعلومات الحساسة المتعلقة بالظروف الصحية أو التوجهات الفكرية المختلفة دون البحث والاطلاع والعرض على متخصصين من الفئة ذاتها، على سبيل المثال يمكن لإظهار الملابس الدينية أو سلوك ذوي الاحتياجات الخاصة أو إطلاق معلومة أو وصف متعلق بعرق معين أن تتحول من صورة هدفها الدمج والانصهار إلى صورة تظهر كسخرية أو تأييد لموقف أو فئة. على سبيل المثال هذه الأيام استخدام الأعلام أو الملابس الملونة بألوان قوس قزح توحي بدعم فئات هامشية جدلية، قد ينفر منها كثير من المتلقين، على الرغم من احتمالية نجاحها أمام عدد قليل من المتلقين الآخرين.

التحدث باللهجة المناسبة للفئة المستهدفة أحيانا يكون خيارا مناسبا، بحسب الفئة المستهدفة، وكذلك مراجعة العبارات والمصطلحات المستخدمة في الإعلان من أهم الأشياء التي لا بد من الاهتمام بها، كمثال على ذلك في اللغة يشير مصطلح “اللبوة” إلى أنثى الأسد، ويمكن استخدامه بشكل مرحب به في عديد من الدول، إلا أنه في دول أخرى يشير إلى المرأة سيئة السمعة.

حجم الصرف على الإعلانات ونسبته من التكاليف التسويقية

يستحوذ الإنفاق التسويقي بمفرده على ما يراوح بين 6.4 و9.5 في المائة من إيرادات الشركات في مختلف المجالات، وهو أقل من مستوى ما قبل أزمة كورونا حين بلغ المتوسط 10.9 في المائة، والسبب في ذلك أن أول ما تفكر فيه الشركات حين مواجهة ركود اقتصادي هو خفض ميزانية التسويق! وفقا لدراسة قامت بها “غارتنر” يتوقع أكثر من 71 في المائة من مديري التسويق أن ميزانيات التسويق لعام 2023 غير كافية لتحقيق أهدافهم التسويقية، حيث قلصت 42 في المائة من الشركات ميزانياتها التسويقية لهذا العام.

ورغم أن التسويق أعمق من كونه مجرد إعلان، إلا أن أغلب الميزانية التسويقية يتم إنفاقه على الإعلانات، فحجم التسويق عالميا يقدر بنحو تريليوني دولار سنويا في حين تمثل وسائل الإعلام بشتى أنواعها فيه أكثر من 40 في المائة، حيث كان من المتوقع أن تبلغ إيرادات الإعلانات خلال العام الماضي 838 مليار دولار إلا أنها تراجعت إلى 740 مليار دولار، وفقا لتقرير مجلة “فوربس”، ومع تباطؤ الإنفاق على التسويق والإعلانات على وجه الخصوص فمن المقرر أن يبلغ الإنفاق 833 مليار دولار خلال العام المقبل، وأن ترتفع حصة الإعلانات الرقمية من 54 في المائة في 2021 إلى 57 في المائة العام الجاري، ومن ثم إلى 60 في المائة عام 2025.

ومن المتوقع أن تنمو إعلانات CTV وهي الإعلانات التي يتم عرضها على شاشات التلفاز الذكية والمنصات الرقمية التفاعلية، بنحو 14.4 في المائة من هذه الإيرادات، ذلك مقارنة بنمو 6.3 في المائة في إعلانات التلفزيونات التقليدية، وأن تقتنص إعلانات الفيديو الحصة الأعلى من السوق بنسبة 22.4 في المائة.

الفروقات في التأثير بين الإعلانات الرقمية والإعلانات التقليدية

معدلات النمو هذه والاستحواذ الكبير للإعلانات الرقمية التي تقترب من نحو الثلثين وربما تسيطر على الإعلانات كليا في المستقبل القريب، نتيجة للفروقات الشاسعة التي تتميز بها عن الإعلانات التقليدية التي من بينها – على سبيل المثال – الاستهداف الأعلى دقة من حيث الموقع والعمر والسلوك، والدفع مقابل تلقي الخدمة فعليا، مثل إعلانات PPC أي الدفع مقابل النقرة، ما يضمن حصول المعلن على قيمة مؤكدة مقارنة بإعلانات الصحف الورقية والتلفزيونات التقليدية. كذلك تختلف الإعلانات الرقمية في الكم الهائل للبيانات المتعلقة بالمتلقي، التي من الممكن الحصول عليها وتتبعها وتحليلها بسهولة، فوفقا لمجموعة بوسطن للاستشارات، فإن الاستهداف عبر البيانات يوفر 30 في المائة من التكاليف الإعلانية، إضافة إلى ذلك هناك ميزات أخرى كثيرة كالتفاعل المباشر مع العملاء وتلقي ردود أفعالهم، ما يتيح سرعة التعديل أو رفع أو خفض النفقات الإعلانية وفقا لهذا التفاعل أو إعادة استهداف فئات أخرى لم تتفاعل مع الإعلان.

بدورهم شكل المؤثرون ميزة إضافية بالنسبة إلى الإعلانات الرقمية، فبدلا من القدرة المحدودة في استخدام عدد قليل من المؤثرين على الشبكات التقليدية، أصبح بإمكان المؤسسات أن تختار عددا كثيرا من المؤثرين المتنوعين لعدد من المناطق والاهتمامات والديموغرافيات، على سبيل المثال تستطيع المنشأة الاستفادة من مئات المؤثرين ممن لديهم شعبيات متنوعة من الفئات العمرية المختلفة أو الاهتمامات المتنوعة، وبث إعلاناتهم في وسائل متنوعة وبتكاليف أقل من الطرق التقليدية. ومن جهة أخرى يمتلك المؤثر جمهورا تفاعليا حاليا ويعرف المحتوى الأنسب إليه والمسار الذي يجب اتباعه للترويج لشيء ما، هذه الجاهزية أيضا ضعيفة عبر الوسائل التقليدية.

الشركات الأعلى إنفاقا على الإعلانات

تستحوذ الشركات التي تقع في قطاع التجزئة والسلع الاستهلاكية على سبعة مراكز في القائمة المرفقة لأكبر المعلنين عالميا، البالغ عددهم هنا 11 معلنا، وفي المقابل لا تنفق الشركات التي لديها إيرادات إعلانية ضخمة كشركة “ألفا بيت” الشركة الأم لجوجل، كثيرا على الإعلانات، فمقابل 258 مليار دولار حققتها الشركة كإيرادات خلال عام 2021 أنفقت الشركة فقط 2.4 مليار دولار على الإعلانات الخاصة بها. نلاحظ في القائمة أيضا أن العلامات التجارية التي لديها ارتباط قوي بالمستهلك أنفقت أقل من متوسط التكاليف التسويقية العالمية، على سبيل المثال شركات أبل وأمازون وفولكسفاجن، جميعها تأتي نسب الإعلانات لديها في حدود 1 في المائة من الإيرادات، بينما نجد هناك شركات تعتمد على الإعلانات بشكل أكبر من غيرها، وهي الشركات التي لديها منتجات استهلاكية متنوعة موجهة إلى الأسر أو السيدات على وجه الخصوص، مثل شركة “بروكتور آند جامبل” وشركة المستحضرات التجميلية “لوريال” و”ماكدونالدز” و”يوني ليفر” وغيرها.

المصدر: الاقتصادية

مقترحات