ما يزيد على مليونين يتابعون مقدّم البرامج اللبناني، ابن الـ18 عاماً، ريان حايك، في «إنستغرام». لفتت عائلته رغبته في التمثيل، وكان في السابعة حين اصطحبه الأبوان لمشاهدة مسرحيات جورج خباز. دعمته، ومن الإيمان به، انطلق. ذلّل أحمال «الكوفيد» بإطلالات مع ضيوف عبر البث المباشر في «إنستغرام» لنقاش موضوعات تُخفّف قسوة العزلة. برنامجه الحالي، «بيناتنا» (يوتيوب)، يستضيف مشاهير يحاورهم بحسّ مرهف. بعضهم يُخرج دموعه من مخابئها ويعود إلى حقيقته المُحتَجبة أحياناً بالضوء.
لم يكن قد أتمّ الثالثة عشرة حين توطّدت علاقته بوسائل التواصل. تعدّدت التجارب قبل أن تحطّ على برنامج «بيناتنا»، وهو اختزال لتعلّمه من أخطائه وإفادته من النصيحة. يُخبر «الشرق الأوسط» أنّ رقم المتابعين الكبير لا يترك له خياراً آخر: «عليَّ العمل بمسؤولية لإرضائهم. فإن شاهدني الجيل الجديد، شكّلتُ له نموذجاً في التأثير الإيجابي، وإن شاهدني جيل أهلي، شعروا بالاطمئنان إلى محتوى يسمح لهم بمشاركته مع أولادهم».
مَن هو ريان حايك؟ مؤثر؟ صانع محتوى؟ مدوّن؟ إعلامي؟ اليوم، الجميع تقريباً صنّاع محتوى، أو مدوّنون. ومعظم حاملي الهواتف مؤثرون. ما يحصّن ريان المراهق في وجه الألقاب الفضفاضة والدخلاء على المجالات والمتطفلين على المهن؟ ردّه: «حصانتي هي احترامي ما أقدّمه. في الإعلام، أحترم حلقاتي بالإعداد اللائق. في التأثير، أتعمّد الإيجابية. وفي صناعة المحتوى، أرفض الإضاءة على الفضيحة».
ذلك يعود إلى التربية وأثر العائلة في الفرد: «نشأتُ على التنوّع والانفتاح واحترام التعدّد. عائلتي ليست فنية، علماً أنّ لشقيقتي الصغرى موهبة مقنعة في التمثيل. من جوّ أسريّ مريح، وُلدت أسئلتي الأولى. أنا كثير الأسئلة، في الفن والسياسة والإنسان. ويحرّكني شغفان: التمثيل المُستمدّ من علاقتي بالخشبة منذ طفولتي وحبي لمسرح الأطفال؛ والإعلام ومنبعه فضولي. أنهي دراستي الثانوية هذه السنة لأتخصّص بالمجالَيْن».
تتعامل معه عائلته على أنه ليس ملكية خاصة. هو شخصية مستقلة يغذّيها الاندفاع بحُب حيال الأشياء. من تجربته، يُسدي نصيحة: «نجاحي بدأ بإيمان عائلتي بي وعدم تضييقها الخناق حولي. إن ارتكبتُ خطأ، أرشدتني إلى الصح. وإن مشيتُ في طريق صحيح، رافقتني لئلا أحيد عنه. إلى الأهل، لا ترغموا أولادكم على ما يرفضونه. ادعموهم بالحب والتفهّم. بالاحتضان يُبدعون».
يجزم بأنه لم يتأثر بأحد، وشخصيته ليست عصارة مجموعة شخصيات إعلامية. حسناً، لكن كيف يطوّر ريان حايك نفسه؟ يمضي وقتاً في مشاهدة مقابلات لمكرّسين في المهنة ومبتدئين ويُصغي للنقد. يشير بفخر إلى اختلاف محتوى برامجه عن منحى الإثارة الرخيصة الدارجة في بعض الحوارات: «أرفض بناء حلقاتي على ملفات صفراء، ولستُ من مدرسة إزعاج الضيف. أتعمّد منح ضيوفي التقدير من خلال إعلاء مستوى الإعداد وعدم الاستخفاف بالمحتوى، وأرفض زجّهم في زوايا بائسة».
لا يخفي صعوبة البدايات، فكثيرون لا يمنحون الفرص لمَن تقتصر دروبهم على خطوات قليلة. اليوم، هو أمام تحدٍّ: «أن آتي بأسماء تدفع برنامجي إلى الأمام وأثبت من خلالها نفسي. كلما سمعتُ (واو! أحسنتَ بالمجيء بهذا الضيف)، أشتعلُ حماسة لمزيد من التحديات. ليس سهلاً نيل موافقة البعض، لكنّ المحاولات تظلّ قائمة».
يلحّ سؤال: ما الذي يقنع فناناً (أو شخصية مشهورة) أمضى سنوات في الحَفْر والعطاء، بأن يحاوره ابن الـ18 عاماً؟ ما الحائل دون انطباع مفاده أنكَ لا تزال «طفلاً»؟ يملك جواباً واثقاً: «لأنني أحاور باحترام ولا تشكّل أسئلتي إساءة. يعلم المتابع أنّ غايتي ليست السبق على حساب السمعة. آتي بالمشاهير بتعبي، فلا أطرح أيّ أسئلة، بل أنبش وأسعى إلى خفايا عن الضيف من باب عائلته. أكثر ما يسعدني هو هذه الدهشة: (كيف علمتَ؟ مَن أخبركَ بما لا يعرفه إلا قلّة؟)».
لريان حايك طموح مستقبلي: «أن يكون لي برنامجي التلفزيوني». يرفض موت الشاشة، علماً أنّ شباناً من جيله هجروها إلى الهواتف والمنصات. برأيه: «التلفزيون يوسّع جمهوري، لا العكس. من البديهي المرور في المسار الطبيعي للوصول. عليَّ إثبات نفسي لأنال فرصي. مثل إعلاميين آخرين، تكون البداية من مكان لتصبح في آخر. كثيرون انطلقوا من شاشات متواضعة، جماهيريتها محدودة، ثم تصدّروا المشهد في لبنان والعالم العربي. لا وصول من دون اجتهاد، وفي الوقت المناسب».
يسعده أن تعرض شاشة ومنصات «أغاني أغاني» برنامجه، وأن يُرشّح اسمه لجائزة «موريكس دور». يستضيف الممثلة زينة مكي في حلقة (السبت)، ويكمل التصوير مع ضيوف لمحاكاة جوانبهم العاطفية.
يثق بقدرته على خلق الأفكار وطرح الأسماء وتحقيق نسب مشاهدة عالية. إنها الدروب، لا يجدر بها أن تكون معبّدة لمَن يسعى إلى وصول مُستحَق. وقيمة الوصول في التحمّل والصبر. يدرّب النفس على التواضع، عملاً بنصيحة الأهل: «مهما كبرت، تذكّر أن تظلّ قدماكَ على الأرض». ترنّ الجملة في أذنه كلما التقى بمُعجب: «الغرور مقبرة الفنان. لا ذنب للناس إن كنتُ في مزاج متقلّب. أتدرّب دائماً على الابتسام، وإلا فلأُغلق باب غرفتي على نفسي».
المصدر: الشرق الأوسط