ليست جديدة تلك المخاوف التي تثار ضد تطبيق الفيديوهات “تيك توك”، لكنها تنبعث بين حين وآخر، حيث عاد التطبيق الصيني لتصدر عناوين الأخبار خلال اليومين الماضيين، بعد موجة من القرارات بحظره على هواتف موظفي العديد من الحكومات كما حدث في الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي، وسبقتهم قبل ذلك الهند، إضافة إلى مطالبات حكومات أخرى بحظره مثل أستراليا، تحت تبرير المخاوف الأمنية التي قد يشكلها التطبيق.. فكيف بدأت قصة التضييق الغربي على تيك توك؟
أداة تجسس
اتهمت الولايات المتحدة تطبيق “تيك توك” بشكل صريح، بأنه أداة تجسس، وحسب زعم الكثير من السياسيين يتجاوز الاختصاص الذي أنشئ من أجله وهو الترفيه والتواصل إلى لعب دور “حصان طروادة”، على حد تعبير سيناتور أمريكي، يخترق الصفوف المحصنة وصولاً إلى كم هائل من البيانات التي تجمعها خوارزمياته المعقدة، والتي تثير قلق واشنطن من أنها قد تستخدم في التأثير في الرأي العام الأمريكي.
ورغم أن المحتوى السياسي لا يحظى بالزخم على هذه المنصة الترفيهية أساساً، لكن ذلك لم يمنع السلطات الأمريكية منذ عهد الرئيس السابق دونالد ترامب من فتح التحقيقات في شأنه، والتي ردت عليها الشركة المالكة للتطبيق بأن تلك المخاوف على البيانات ليس مبرراً، حيث إنه لا يمكن أن يصل إليها إلا الأفراد المصرح لهم.
تناولت النقاشات في أروقة البيت الأبيض طرق كبح هذا التطبيق الذي يشكل تهديداً، حيث يستخدمه ثلثا المراهقين الأمريكيين، وهذا ما يبعث القلق في الولايات المتحدة من استغلاله للحصول على بيانات المستخدمين الخاصة أو لمحاولة نشر معلومات مضللة أو تقارير تحمل أجندات سياسية ضد المصالح الأمريكية.
مسيرة نجاح
بدأت مسيرة تطبيق “تيك توك” من استحواذ شركة صينية تدعى “بايت دانس” في عام 2018 على تطبيق أمريكي يحمل اسم “ميوسيكالي” المختص بصناعة المقاطع المُصورة والمراسلة، ومن ثم إعادة إطلاقه باسم تيك توك.
تنامت شعبية التطبيق بعدها بشكل كبير، فقد كان الأكثر تنزيلاً على مستوى العالم منذ أكتوبر 2018 حتى يومنا هذا، ويحظى حالياً بأكثر من مليار مستخدم نشط شهرياً.
تم الترويج للتطبيق على أنه شبكة اجتماعية تُمكن المستخدمين من إنشاء مجموعة متنوعة من مقاطع الفيديو التي تتراوح بين التحديات ومقاطع الفيديو الراقصة والحيل السحرية والمقاطع الساخرة. ويُعد تيك توك أضخم مكتبة مرئية للمقاطع القصيرة المسلية في العالم، حيث يساعد تصميمه على الانتقال من فيديو إلى آخر في أجزاء من الثانية، كما يسمح بصنع فيديوهات خاصة بكل سهولة مع ميزة مزامنة الشفاه الفريدة من نوعها، الأمر الذي يضمن تفاعلاً سريعاً من المستخدمين ومشاركة المحتوى وإبداء الإعجاب بمجرد النقر عليه مرتين كما في صور إنستغرام.
تحديثات
مما يزيد القلق لدى الدول المتبنية نهج الحظر، أن التطبيق لا يترك أي تفاصيل صغيرة من بيانات تبدو للوهلة الأولى غير ذات أهمية إلا ويجمعها، لتتراكم على شكل قوة بيانية يمكن تحليلها والاستفادة من نتائجها.
كما أن قدرة التطبيق على التأثير في تشكيل “رأي عام” هاجس لدى المسؤولين، بما أن أكثر مستخدميه هم من “الجيل Z” أي مواليد ما بعد الألفية، فنسبة 41% من مستخدميه تتراوح أعمارهم من 16 إلى 24 عاماً.
تبرز في واجهة التطبيق أيقونة “لأجلك” التي تقف وراءها خوارزميات ضخمة شديدة التعقيد تجعل أي مستخدم يتسمر لساعات أمام فيديوهات تعكس اهتماماته، وهو ما دق ناقوس خطر عند المشرعين الأمريكيين بضرورة إيجاد حل، حيث يقضي مستخدموه ما يقرب من 52 دقيقة يومياً على التطبيق وسطياً.
وأعلن “تيك توك”، اليوم، عن إطلاق عدد من التحديثات الجديدة لضوابط التحكم، وذلك من خلال عدد من الخيارات المخصصة وفقاً لكل مستخدم، إضافة إلى إطلاق مجموعة من الإعدادات الافتراضية الجديدة لحسابات المراهقين، والتوسع في نطاق الاقتران العائلي/ ربط الحسابات للعائلة بمزيد من أدوات الرقابة الأبوية.
توضيحات صينية
حاولت الولايات المتحدة في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، أن تفرض على الشركة الصينية بيع “تيك توك” لشركات أمريكية، لكن الشركة رفضت كل الضغوط قبل أن يتولى الرئيس الديموقراطي جو بايدن سدة الحكم وينهي تلك المسألة وتأخذ القضية بعداً جديداً تمثل في الحظر الأخير.
وترفض الصين الاتهامات الأمريكية، حيث صرح متحدث باسم وزارة الخارجية الصينية أن الحظر الذي فرضته الحكومة الأمريكية، يكشف عن مخاوف واشنطن الخاصة ويشكل إساءة لاستخدام سلطة الدولة. وقالت ماو نينغ في إيجازها الصحفي اليومي إن حكومة الولايات المتحدة “أفرطت في توسيع مفهوم الأمن القومي وإساءة استخدام سلطة الدولة. إلى أي مدى يمكن للولايات المتحدة، أكبر قوة عظمى في العالم، أن تخشى من التطبيق المفضل لدى الشباب إلى هذا الدرجة؟”.
المصدر: البيان