تسويق

تغيير اللوجو: لماذا تدفع الشركات الآلاف مقابل تغييرات طفيفة في اللوجو؟

تصدرت نوكيا الأخبار مؤخراً بالكشف عن تغيير اللوجو بالكامل لأول مرة منذ تأسيس الشركة من 60 عاماً تقريباً، الأمر الذي قوبل بالسخرية والانتقاد خصوصاً أن الشعار الجديد لم يعجب الكثيرين؛ بل ووُصف أنه “تشويه” لهوية الشركة الفنلندية. وسواء كنت تتفق أو تختلف مع ذلك، فلم يكن الهدف الرئيسي الإعلان عن شعار عصري أو أكثر جمالاً. وربما تتسائل عزيزي القارئ  لماذا تدفع الشركات الآلاف مقابل تغييرات طفيفة في اللوجو؟

تمثل الهدف من الإعلان عن الشعار الجديد أن يكون تجديداً لهوية نوكيا؛ ليتوقف المستهلكون عن ربط إسم الشركة بحقبة الهواتف المحمولة التي برعت فيها ثم اندثرت، وأن يبدأوا في التفكير في نوكيا على أنها علامة تجارية تختص في الشبكات والرقمنة الصناعية.

يمكن القول أن تغيير نوكيا لشعارها جاء ليحمل مفاهيم أكبر بكثير من مجرد لوجو جديد، بل كانت إعادة هيكلة لهوية الشركة بالكامل، لتكون حقبة جديدة لا تربطها بماضيها القاسي، فنوكيا لم تعلن عن شعار جديد وحسب، وإنما شركة جديدة بالكامل تتشارك نفس الإسم “نوكيا”!

ولعل هذا هو الناتج الأهم لأي شعار يتم تحديثه، التركيز على تجديد الهوية بالكامل. وفي الوسط التقني الذي نتابعه، فقد شهدنا عدداً من عمليات تغيير الشعارات المثيرة للإهتمام، البعض منها كان فارقاً بشكل واضح، والآخر تحول إلى سخرية بشكل كبير.

نتناقش معكم في هذا المقال عن أسباب اتخاذ كبرى الشركات لمثل هذا القرار، وكيف يتم حساب تكلفته مع استعراض أهم الشعارات التي شاهدنا تغييرها في الحقبة الأخيرة.

ما العوامل التي تحدد وقت تغيير اللوجو؟

ليس من السهل أن تقرر شركة ما أنه حان الوقت لتجديد شعارها، خصوصاً إذا كنا نتحدث عن شركة عالمية، ولا نقصد صعوبة تجديد الشعار نفسه، وإنما خطورة فقدان الهوية، فمن الوارد جداً أن يؤدي تغيير الشعار إلى فقدان الجمهور الذي تعوّدوا على شعار معيّن مرتبط في أذهانهم بما تقوم به الشركة، وأن يكون الشعار الجديد مبهماً أو مختلفاً بشكل كبير عن الشعار السابق، ما سيؤثر بشكل سلبي في مبيعات الشركة ولهذا فيتم التخطيط جيداً قبل القيام بهذه الخطوة التي قد يستغرق تنفيذها شهوراً.

وعليه، دون الباحثون عدداً من العوامل التي يجب أن تتحقق لتكون الشركة مؤهلة لتجديد شعارها والتي تتمثل في النقاط التالية:

تغيير نشاط الشركة أو الجمهور المستهدف

وهو السبب الأكثر الأهمية لتحديد ما إن كان يلزم تغيير الشعار، وبشكل مشابه تماماً لما قامت به نوكيا، ففي حال غيّرت الشركة نشاطاتها، أو اقتحمت مجالاً جديداً، فبالتالي من البديهي أن يتم تغيير الجمهور المستهدف؛ ولكي تتمكن من جذب الجمهور الجديد، فلا يوجد طريقة أفضل من أن تعلن عن شعار أو هوية جديدة، وفي بعض الأحيان الأخرى تغير اسم الشركة بالكامل لتعبر عن الأهداف الجديدة، كالميتافيرس مثلاً.

وجود منافسة جديدة، والتجديد للدعاية

لا تتنافس الشركات فقط في تقديم منتجات وخدمات أفضل، حيث يتمثل جزء من المنافسة كذلك في هوية الشركة والرسالة التي تقدمها للمستخدمين، ولذلك قد تغير الشركات شعارها لتتمكن من التركيز على الفئة المستهدفة.

كذلك قد يكون تجديد الهوية خياراً ذكياً لزيادة الدعاية والوعى بالشركة المجددة، قد تتعمد بعض الشركات كذلك القيام بتجديدات سطحية في شعارها أو العكس تماماً، تغير الشعار بشكل جذري، وفي الحالتين يكون الهدف جذب الأنظار وإثارة الجدل، لتكون الوسيلة الأسرع لتصدر وسائل البحث.

استخدام شعار قديم عفا عنه الزمن

في بعض الأوقات الأخرى، قد يكون الشعار المستخدم ببساطة قديم، ويحتاج إلى تحديث، خصوصاً إذا كان مبنياً على “ترند” رائج في التصميم حينها، وبالتالي تقوم الشركات بتجديد شعارها دون تغيير معناه -إن وجد-، فمثلاً كان من المنتشر قديماً الشعارات المعقدة، بينما الرائج في عصرنا الآن هو التصاميم البسيطة قدر الإمكان، فنجد عدداً من الشركات تبسط شعاراتها القديمة لتكون على الموضة المنتشرة اليوم.

اسم معقد أو غير معبر عن هوية الشركة

لا يقتصر تغيير الشعارات على الأسباب التي ذكرناها فقط، بل في بعض الحالات الأخرى قد يكون لهدف تغيير إسم الشركة نفسه، بالطبع يكون هذا من الاختيارات التي لا تفضلها أغلب الشركات، خصوصاً إذا تصدر اسم الشركة السابق محركات البحث، وأصبح معروفاً للجمهور، فإن الشركة ستلقي بكل ذلك في الهواء عند تغيير اسمها. ومع ذلك فقد رأينا عدداً من الشركات تغير اسمها.

تغيير لون اللوجو فقط قد يكلف عشرات الآلاف

بما أن تغيير الشعار مرتبط بشكل وثيق بالتعديل على هوية الشركة وأهدافها، يكلف ذلك أموالاً طائلةً حتى ولو كانت النتيجة غير ملحوظة تقريباً، فمن الممكن أن تجد شركة تعلن عن تجديد شعارها ليكون مطابقاً تماماً لنفس الشعار القديم، مع تغيير درجة اللون المستخدم أو زيادة انحناء الحواف، ومع ذلك تدفع ملايين الدولارات لتنفيذ ذلك دون تردد.

وحسب الدراسات، يكلف تغيير العلامة التجارية ما بين 10% إلى 20% من ميزانية التسويق، وعلى سبيل المقال إذا كانت إيراداتك السنوية 15 مليون دولار وميزانيتك التسويقية 750 ألف دولار ، فيمكنك توقع تكاليف إعادة تصميم العلامة التجارية لتكون في نطاق 75 ألف دولار إلى 150 ألف دولار وذلك فقط للتعديل على هوية موجودة بالفعل!

وعلى الرغم من تلك التكلفة الباهظة، إلا أن مبررة بالكامل، حيث يوضح استراتيجية الشركة وأهدافها، والجمهور المستهدف، ومع استخدام الشعار المناسب، ستتمكن الشركة من زيادة أرباحها واستهداف الجمهور الصحيح بشكل أفضل.

أبرز الشركات التي غيرت شعارها وحتى هويتها بالكامل في بعض الأحيان

جميع الأسباب التي تحدثنا عنها فيما يتعلق بأسباب تغيير الشعارات والعلامات التجارية طُبقت بالفعل بواسطة عدد من الشركات التقنية، وعلى الرغم من اختلاف الدافع، إلا أنهم جميعا تشاركوا في تصدر وسائل الإعلام وحديث المنصات الاجتماعية. نستعرض معكم فيما يلي أبرز تلك التغييرات. 

مايكروسوفت وتغيير العلامة التجارية لأوفيس

لأول مرة في خلال ثلاثين عاماً، أعلنت مايكروسوفت عن تغيير العلامة التجارية لمنتجات “أوفيس – Office” لتصبح “مايكروسوفت 365” مع تغيير الشعار أيضاً بالكامل.

وفي الحقيقة، فإن مايكروسوفت كانت تخطط لذلك التغيير منذ سنين، تحديداً في 2021 عندما قامت بتغيير اسم اشتراك مايكروسوفت أوفيس إلى “مايكروسوفت 365″، والمقصود من 365 هو للإحتفال بالمجموعة التي يملكها عملاق البرمجيات من تطبيقات الإنتاجية في جميع المجالات.

جوجل “تُلمع” لوجو جوجل كروم 

أعلنت جوجل في الخامس من فبراير عام 2021 عن تغيير شعار جوجل كروم لأول مرة منذ ثمانِ سنوات، والذي يبدو للوهلة الأولى أنه نفس الشعار بالضبط، وإذا قمنا بمسابقة لإكتشاف سبع اختلافات بين الشعارين، فلن تجد سوا اختلاف واحد، إذا ركزت جيداً.

هل وجدته؟ يتمثل الإختلاف في التخلي عن الظلال الموجودة في التصميم القديم (على اليسار) مغ زيادة تشبع الألوان، كذلك استخدم المصمم ألواناً ثابتة بدلاً من التدرجات (Gradients) التي كانت مستخدمة في التصميم القديم. يوجد فرق آخر لم نكن لنعرفه دون قراءة شرح المصمم للشعار الجديد عبر تويتر، حيث أوضح أن دمج درجات من اللون الأحمر، الأخضر والأصفر بجانب بعضها البعض يؤدي إلى “اهتزاز لوني” مزعج، وهي مشكلة كان يعاني منها الشعار القديم حسب وصفه.

ولحلها، قرر فريق التصميم في جوجل استخدام تدرجات دقيقة للغاية  لمنع أي اهتزاز لوني، بشكل عام لن تلاحظ أي فرق في هذه النقطة مهما حاولت التركيز.

من التغييرات الملفتة للإنتباه ايضاً أن شعار جوجل كروم الجديد أصبح ديناميكياً، ما يعني أنه سيتكيف حسب نظام التشغيل، ففي MacOS على سبيل المثال سيكون ثلاثي الأبعاد؛ ليكون مشابهاً للغة تصميم آبل.

فيسبوك أصبحت ميتا

في أكتوبر 2021، أعلن مارك زوكربيرغ لأول مرة منذ 17 عاماً عن إستغناؤه عن اسم فيسبوك، واستبداله بـ”ميتا – Meta” وهو المقطع الأول من مصطلح “ميتافيرس”، جاء ذلك التغيير التاريخي ليكون بداية حقبة جديدة لشركة زوكربيرغ، تهتم فيها الشركة بالميتافيرس والعالم الإفتراضي.

تغيير علامة فيسبوك إلى ميتا يبين تجديد نشاط الشركة، فلم يصبح فيسبوك محور اهتمام الشركة بعد الآن، وفي نفس الوقت ساعد ذلك في التوضيح أن فيسبوك ليس المنتج الوحيد الذي تملكه الشركة، كذلك يحاول زوكربيرغ أن يستولي على عرش الميتافيرس وينصب نفسه مؤسساً لها، بجانب محاولاته المستميتة لإقناعنا بعالمه الإفتراضي وأنه المستقبل الذي ينتظرنا.

يمثل ذلك القرار تغييراً جذرياً للعلامة التجارية للشركة، استخدام علامة اللانهاية، التي يمكن تشبيهها بنظارات الواقع الإفتراضي، او علامة على هدف الشركة المتمثل في التركيز على العالم الإفتراضي.

ولعل اختيار الشعار الجديد لم يكن موفقاً جداً للشركة، حيث كان يوجد عدد من الشركات الأخرى بالفعل التي تتشارك في نفس الإسم والشعار، ما عرض ميتا إلى الكثير من الإنتقادات والتهديدات برفع دعوات قضائية، اهمها كان اتهام شركة تحمل نفس الإسم والشعار بالسرقة العلنية.

تجديد هوية فيسبوك لم يأتي بنتائج إيجابية حتى الآن، بل في الحقيقة، فقد تعرضت “ميتا” لخسائر تقدر بـ 500 مليار دولار في الأربع شهور الأولى من الكشف عن الهوية الجديدة.

شاومي تغير اللوجو من مربع إلى شبه دائرة!

في مارس من عام 2021، وبعد الكشف عن هاتف الشركة الأول القابل للطي، Mi Mix Fold. أمضى لي جون الرئيس التنفيذي للشركة قرابة العشرين دقيقة ليشرح العملية المعقدة التي استغرقتها الشركة لتغيير شعارها من مربع إلى شبه دائري، والذي بالمناسبة، كلف الشركة 300,000 دولاراً.

وفي الحقيقة، فإن السيد جون كان على علم بالتغيير السطحي الذي يتحدث عنه، ولهذا فقد أعلن أن التغيير لا يتمثل فقط في تغييرالشكل الهندسي للشعار، وإنما في تغيير “الروح الداخلية” للشركة كذلك.

أوضح السيد جون كذلك أن الشعار الجديد هو جزء من عملية إصلاح أكبر لهوية العلامة التجارية لشاومي، والتي أشرف عليها المصمم الياباني الشهير “كينيا هارا”، أعلن جون أن العلامة الجديدة ليست إعادة تصميم بسيطة للشكل ولكن “تغليف” للروح الداخلية للشركة. وصفت الشركة أن الشعار الجديد هو “إحياء” لشاومي.

وعلى الرغم من الإختلاف الطفيف في التصميم، إلا أن عملية تنفيذه لم تكن بالشكل البسيط، حيث اُستخدم منحنى “superellipse”، للوصول إلى التوازن المثالي بين الشكل الدائري والمربع، والذي وجد أنه يتحقق عندما تصبح n:3.

شركة Kia وتغيير علامتها التجارية بالخطأ!

لنبتعد قليلاً عن الشركات التقنية، حيث استطاعت شركة Kia تصدر وسائل الأخبار لفترة طويلة ولكن باستخدام أسم آخر لا يمط لها بصلة، شكراً للشعار الجديد الذي سبب حيرة للكثير من الناس.

فبدلاً من الشعار التقليدي المتمثل في دائرة تضم كلمة “KIA” داخلها، قررت الشركة الإستغناء عن الدائرة وربط الحروف الثلاثة في تصميم عصري وملفت للأنظار.

ولكن عند النظر إلى الشعار الجديد لأول مرة، ودون العلم أنه مرتبط بالشركة، ستجد أنه أقرب إلى “KN”، الأمر الذي سبب في زيادة نتائج البحث حول “من هي شركة KN؟” لتصل إلى 30,000 عملية بحث على الأقل كل شهر.

تداركت Kia الموقف بنشر مدونة رسمية تشرح فيها الشعار الجديد، ما استخدام كلمات مفتاحية لتتصدر بها نتائج البحث عندما يتم البحث عن شركة KN المجهولة.

الخلاصة.. تغيير اللوجو لا يقل أهمية عن الإعلانات

لا تمانع الشركات دفع الآلاف مقابل تغييرات طفيفة في اللوجو مثل لون أو درجة إنحناء شعارها الجديد. حيث يساعدها ذلك في تصدر الأخبار وجذب اهتمام القراء. وفي الوقت نفسه، يمثل تغيير الشعارات نوع من أنواع المنافسة بين الشركات وطريقة لإستعراض القوة الفلسفية لكل شركة؛ ومع ذلك يأتي تغيير الشعارات بأثار سلبية في بعض الأوقات، في حال كان غير مدروساً بالشكل الكافي كما رأينا في Meta، أو إذا فقد هوية الشركة كما في Kia.

وطبعاً لا ننسى تغير الشعار الأقرب إلى قلوبنا، وهو شعار عرب هاردوير منذ حوالي ثلاث سنوات ليعبر بشكل أبسط عن هويتنا.

المصدر: عرب هاردوير

مقترحات