في ظل التحولات السريعة التي يشهدها العالم الرقمي، برزت فئة جديدة من الشخصيات التي لم تعد تقتصر شهرتها على الشاشة أو الميدان، بل أصبحت تمتلك القدرة على توجيه اختياراتنا اليومية والتأثير على قراراتنا الشرائية: إنهم “المؤثرون”.
يُعتبر التسويق عبر المؤثرين أحد أبرز الاستراتيجيات الحديثة في عالم التسويق الرقمي، حيث تتعاون العلامات التجارية مع شخصيات مؤثرة على منصات التواصل الاجتماعي لترويج منتجاتها أو خدماتها. الفكرة تعتمد على قوة العلاقة الشخصية التي تربط المؤثرين بمتابعيهم، والتي تتسم بالثقة والولاء، ما يجعلهم أدوات فعّالة لنقل الرسائل الترويجية بطريقة تبدو أكثر صدقًا وأصالة.
على عكس الإعلانات التقليدية التي تعتمد على الرسائل المباشرة في التلفاز أو الصحف، يقدم المؤثرون تجربة أكثر تفاعلية وإنسانية. فهم لا يعرضون المنتج فقط، بل يتحدثون عنه من منظور شخصي، كأنهم يشترونه لأنفسهم، أو يوصون به كأصدقاء. هذه الطريقة أثبتت فاعليتها في تعزيز الوعي بالعلامة التجارية، ورفع نسبة المبيعات بشكل ملحوظ.
في عام 2018 فقط، ساهم المؤثرون في تسويق أكثر من 3.7 مليون إعلان عبر إنستغرام، بزيادة قدرها 43٪ عن العام الذي قبله. ومن المتوقع أن يصل هذا الرقم إلى 6.8 مليون إعلان في عام 2028، مما يعكس التوسع السريع لهذا النمط من التسويق.
وكانت الحكومة الأردنية قد كشفت في عام 2019 عن حجم الإعلانات والمبالغ الباهظة التي أنفقت عليها في مواقع أجنبية عالمية مثل فيس بوك، جوجل، وغيرهما، ووصلت الى أكثر من 100مليون دينار، مما أثر بشكل مباشر على حصة الصحافة الأردنية وأدخلها في أزمات مالية مازالت تعاني منها اليوم، خاصة أن النزيف المالي مازال متواصلًا.
تشير الدراسات إلى أن شريحة كبيرة من المستهلكين باتوا يثقون في توصيات المؤثرين أكثر من الإعلانات الرسمية، الأمر الذي جعل هذا النوع من التسويق من أكثر الأدوات فعالية في تحفيز القرارات الشرائية، خصوصًا بين فئة الشباب الذين لا يتفاعلون كثيرًا مع الأساليب الإعلانية التقليدية. يعرف بإنه كل شخص يمتلك عددًا كبيرًا من المتابعين (يبدأ من 10 آلاف متابع فأكثر)، ويُعتبر مصدر ثقة في مجال معين كالجمال، الرياضة، التقنية أو التغذية. هؤلاء الأفراد غالبًا ما يحصلون على مقابل مادي أو هدايا من العلامات التجارية للترويج للمنتجات، وهي عملية تختلف جذريًا عن الإعلان الكلاسيكي، حيث يتم الدفع لهم مقدّمًا وليس بعد انتهاء الحملة.
لم يتوقف تأثير المؤثرين عند المنتجات التجارية فقط، بل امتد إلى القضايا الاجتماعية، السياسية، والبيئية، حيث باتوا يلعبون دورًا في تشكيل الرأي العام وتحفيز النقاشات، بل وحتى دفع المجتمعات إلى اتخاذ مواقف معينة تجاه قضايا محلية وعالمية.
لا تقتصر صفة “المؤثر” على صناع المحتوى المستقلين فحسب، بل تشمل أيضًا النجوم العالميين مثل محمد صلاح، كريستيانو رونالدو، وليونيل ميسي، الذين أصبحوا بدورهم وجوهًا إعلانية لعلامات تجارية كبرى. فمحمد صلاح مثلاً يظهر على زجاجات مشروب “بيبسي ماكس” في بريطانيا، في حملة تسويقية تجاوزت بأرباحها ما يحصل عليه من ناديه!
بات من الواضح أن المؤثرين يلعبون دورًا حاسمًا في تشكيل سلوك المستهلك، وأن مستقبل التسويق يتجه أكثر فأكثر نحو الأساليب الأصيلة والتفاعلية التي يقدمها هؤلاء الأفراد. ومع تزايد أهمية هذا القطاع، من المرجّح أن تستمر الشركات في الاستثمار فيه كمصدر موثوق لبناء علاماتها التجارية وتعزيز مكانتها في السوق.
المصدر: السوسنة