مع انتقال الناس من التلفزيون إلى الويب، تغيّر شكل الإعلانات وطبيعتها. بدلاً من عرضها في الفواصل الإخبارية، باتت تلاحقنا في فيديوات يوتيوب ومنصات التواصل الأخرى. منذ سنوات قليلة، بدأ يظهر ما يسمى باقتصاد المؤثرين، إذ باتت الشركات والعلامات التجارية تعتمد بشكل متزايد على الـ influencers لجذب المستهلكين، حتى بلغت قيمة صناعة التسويق المؤثر في العام الحالي نحو 21 مليار دولار أميركي.
الكل في انتظار صدور الميتافيرس. هذا العالم الرقمي الموازي للحياة الواقعية، الذي يعدنا بانغماس كلّي في عالم الديجيتال. وإلى حين ولادة هذا الكون الجديد، بدأت تتشكّل ملامح مجالات عدة تعطينا فكرة عما سيكون عليه المحتوى هناك. وأبرز هذه التغيرات اعتناق مجتمع المؤثرين تقنيات الذكاء الاصطناعي والتزييف العميق لترويج الإعلانات. نستكشف هنا كيف سيستفيد المؤثرون من تحول الناس إلى داخل الميتافيرس بدلاً من الشاشات وما يجب على العلامات التجارية والشركات توقعه في هذا المجال الجديد.
تقرير نشره موقع oberlo أخيراً، يفيد بأنّ البشر حول العالم يستخدمون الإنترنت نحو ستّ ساعات ونصف الساعة يومياً، أي بنسبة 27 في المئة من يومهم. في المقابل، وبحسب موقع «ستاتِستا»، يشاهد الناس التلفزيون حول العالم بمعدل ساعتين وأربعين دقيقة يومياً. علماً أنّ أرقام الشاشة الصغيرة في انخفاض مستمرّ منذ عام 2011. عملياً، انتقل الجمهور من التلفزيون إلى محتوى الويب. وبطبيعة الحال، عندما يقضي هذا العدد الكبير من الناس كل هذا الوقت في مكان معين، ستأتي إليه الإعلانات لا محالة.
ما يميز الإعلان عبر المؤثرين أنه تفاعلي، بمعنى أن الإعلانات التقليدية تقدم للمشاهد معلومات سطحية عن المنتج مثل اسمه وما يقدمه، في حين أنّ المؤثر قادر على تجربة المنتج أمام مشاهديه الذين يمكن لهم متابعته يومياً لرؤية مدى إفادتهم منه. أي إنّ المؤثر يقدّم «التجربة» ورأيه في المنتج. وهذا ما يدفع الناس إلى شرائه بعد مشاهدة ما سيحصلون عليه.
هذه الميزة لدى المؤثرين تجعل الشركات والعلامات التجارية في حاجة إليهم. ولكننا في عصر الديجيتال، فماذا لو كان هناك «مؤثر رقمي» مصنوع بواسطة الكومبيوتر يحاكي وظيفة المؤثرين البشر؟ هذا بدأ يحصل فعلاً. على سبيل المثال، هناك Shudu، أوّل عارضة أزياء رقمية في العالم.
أما Lil Miquela، فمؤثّرة افتراضية، اكتسبت شعبية على منصات التواصل الاجتماعي مثل إنستغرام وتيك توك ويوتيوب. إنّها شخصية خيالية أنشأتها شركة ناشئة في لوس أنجليس تدعى Brud عام 2016. ليل ميكيلا، واسمها الكامل ميكيلا سوزا، برازيلية ــ أميركية تبلغ 19 عاماً وتنشر عن الموضة والموسيقى والقضايا الاجتماعية. تعاونت مع العديد من العلامات التجارية مثل «برادا» و«كالفن كلاين» و«سامسونغ»، وأصدرت أيضاً العديد من الأغاني. تملك أكثر من 2.8 مليون متابع على إنستغرام و3.5 ملايين متابع على تيك توك. ليل ميكيلا أكثر من مجرد شخصية افتراضية للتسويق، هي أيضاً أداة لسرد القصص. لديها قصة خيالية تتضمن شخصيات افتراضية أخرى، مثل «برمودا»، منافستها التي تحولت إلى صديقة اخترقت حسابها في عام 2018. تتفاعل أيضاً مع مشاهير حقيقيين ومؤثرين، أمثال ديبلو وميلي بوبي براون وشين داوسون. غالباً ما تعبر عن آرائها حول مواضيع مثل العدالة العرقية وحقوق الجماعات الضعيفة والقضايا البيئية. وهناك أنباء يتمّ تداولها أخيراً حول احتمال دخولها عالم السينما.
ليل ميكيلا أحد أبرز الأمثلة على كيفية خلق التكنولوجيا شخصيات رقمية واقعية وجذابة تطمس الخط الفاصل بين الواقع والخيال. في عام 2019، استأجرت شركة «سامسونغ» ميكيلا، لتكون أحد وجوه حملتها teamgalaxy#. ويقال إنّ هذه الصفقة وحدها حققت لها أكثر من 10 ملايين دولار. وقبل ذلك، تألقت المراهقة في إعلان «كالفن كلاين» جنباً إلى جنب مع عارضة الأزياء الأميركية ــ الفلسطينية بيلا حديد. وهي تتقاضى أكثر من 10 آلاف دولار لكل منشور على إنستغرام.
في مقابلة لها عام 2018 مع Business of Fashion، قالت Lil Miquela إنّها «روبوت ذكاء اصطناعي. كيان متخيل، يتصرف كإنسان، يتجلى كإنسان آلي يشبه الحياة». والمحزن في الأمر أنّ غالبية المتابعين لاحظوا أنها غير حقيقية، لكنهم ما زالوا في حيرة من أمرهم.
عندما يجهز الميتافيرس، سيضع المستخدم نظارات واقع افتراضي فيشاهد عالماً آخر. عالمٌ يستطيع التنقل فيه والذهاب إلى المدرسة أو العمل أو التنزه في غابات ساحرة أو حتى التحليق نحو النجوم. حياة تسمح لنا بعيش كل تخيلاتنا. وستكون هناك قدرة على تكوين الصداقات والانضمام إلى مجموعات وحتى تكوين أحزاب أو منظمات. وبطبيعة الحال، سيكون هناك أقطاب ومؤثرون ونخب داخل هذا العالم. هذا الأمر سيؤدي إلى طمس الخطوط الفاصلة بين التجارب الحقيقية المادية والرقمية. في هذا المجال الرقمي، يمكن للمستخدمين التفاعل مع بعضهم البعض و«الكائنات الرقمية» الأخرى في الوقت الفعلي. ونظراً إلى أن المستخدمين يقضون وقتاً أطول في المساحات الافتراضية، فإن الطريقة التي ينظرون بها إلى المؤثرين ويتفاعلون معهم ستخضع لتحول كبير.
لن يقتصر تأثير المؤثرين في الميتافيرس على الصور ومقاطع الفيديو الثابتة. بدلاً من ذلك، سيصبحون أفاتارات قادرة على إجراء تجارب تفاعلية وغامرة. سيكون الأفاتار قادراً على التفاعل مع المستخدمين بطرق ديناميكية ومبتكرة، من استضافة الأحداث والحفلات الموسيقية الافتراضية إلى الجولات المصحوبة بمرشدين للمساحات الافتراضية. من الأمثلة على ذلك، قناة xanadu على يوتيوب، التي قدمت حلقات بُثّت من داخل الميتافيرس مع استخدام أفاتار.ة
كذلك، يوفر الميتافيرس فرصاً متفرّدة للعلامات التجارية لدمج المنتجات بسلاسة في البيئة الافتراضية، ما يسمح للمستخدمين بالتفاعل مع المنتجات قبل اتخاذ قرارات الشراء. يتجاوز هذا الشكل من أشكال وضع المنتج الأساليب التقليدية، ما يسمح للمستخدمين بتجربة المنتجات بطريقة أكثر واقعية وجاذبية. وبدلاً من الإعلانات الموجهة، بمعنى تقديم إعلانات لكل مستخدم حسب البيانات التي تحصل عليها الخوارزميات عنه، ستكون هناك المشاركة الموجهة أو المخصصة باستخدام تحليلات البيانات المتقدمة والذكاء الاصطناعي، يمكن للمؤثرين في الميتافيرس تخصيص تفاعلاتهم بناءً على تفضيلات المستخدم وسلوكياته. سيخلق هذا المستوى من التخصيص روابط أعمق بين المؤثرين وأتباعهم، ما يعزز الشعور بالانتماء المجتمعي داخل الحياة الرقمية.
بينما يقدّم الميتافيرس فرصاً مثيرة للمؤثرين، فإنه يطرح أيضاً مجموعة من التحديات، مثل الأصالة والثقة. عندما يصبح الأفاتار الوجه الجديد للمؤثرين، يصبح الحفاظ على الصدقية والثقة مصدر قلق بالغ. سيكون تحقيق التوازن بين شخصية الأفاتار والمؤثر الواقعي الذي يقف وراءها، أمراً ضرورياً للحفاظ على روابط ذات مغزى مع المتابعين. وهذا يفتح الباب لظهور مؤثرين رقميين بشكل كامل يقودهم ذكاء اصطناعي، مدفوع بمصالح الشركات والعلامات التجارية التي قد تحاول حجب بعض الحقائق عنهم. وسيواجه المؤثرون الحقيقيون المزيد من المنافسة والتحديات. سيتعين عليهم التنافس مع مؤثرين مزيفين، بالإضافة إلى ملايين من صانعي المحتوى الآخرين الذين سيتمكنون أيضاً من الوصول إلى الأدوات والتقنيات نفسها. سيتعين عليهم الابتكار باستمرار والتكيف مع التفضيلات والتوقعات المتغيرة لجمهورهم. سيتعين عليهم أيضاً التعامل مع القضايا الأخلاقية والقانونية التي قد تنشأ عن استخدام الهويات الرقمية وحقوق الملكية الفكرية وخصوصية البيانات والسلامة عبر الإنترنت. وستتعين عليهم الموازنة بين حياتهم الشخصية والمهنية. والأصعب من هذا كله، سيكون عليهم الحفاظ على صحتهم العقلية في عالم سيختلط فيه الحقيقي بالرقمي.
المصدر: الأخبار